الاثنين 3 نوفمبر 2025 - 11:40
آية اللّه العظمى نوريّ الهمداني: المجتمع اليوم أحوج ما يكون إلى «إصلاح ذات البين»

وكالة الحوزة - أكّد آية اللّه العظمى نوريّ الهمداني أنّ المجتمع الإسلاميّ اليوم أحوج ما يكون إلى «إصلاح ذات البين»؛ لأنَّ الشياطين والأعداء يسعون إلى التوغّل في صفوف الأمّة من خلال الشقاق والظّنون السيّئة الكامنة في النفوس.

وكالة أنباء الحوزة - وجّه آية الله العظمى الشيخ حسين نوري الهمداني (من المراجع العظام) رسالة إلى الندوة الأولى لـ"لجنة الصّبر" (لجنة تنمية الصلح والعفو والرضا)، جاء فيها:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّدٍ، وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين، [لا] سيّما بقيّة اللّه في الأرضين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

إنّ الإسلام دين الرحمة والرأفة ودين الأخلاق والعدالة؛ فهو دينٌ امتزجت فيه العدالة بالإحسان، والقضاء بالصلح والعفو. وإنّ ثقافة الصلح، والعفو، والوساطة المخلصة لرفع الخلافات وإزالة الأحقاد وتعزيز العلاقات الاجتماعيّة، تُعدّ من أسمى تعاليم القرآن الكريم وأهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)، ومن أبرز علامات الإيمان والتقوى.

ومن الوصايا الخالدة لمولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، التي وجّهها إلى ولديه الكريمين الإمام الحسن والإمام الحسين (عليهما السلام)، حينما جُرح على يد ابن ملجم لعنه اللّه، قولُه الشريف: «أُوصِيكُمَا وَجَمِيعَ وَلَدِي وَأَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا (صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقُولُ: صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ».

وقد اعتبر الإمام (عليه السلام)، في وصيّته هذه، إصلاحَ ذات البين أفضلَ من كلّ صلاةٍ وصيامٍ؛ لأنّ تقريب القلوب، وإزالة الأحقاد، والمصالحة بين المؤمنين، تمهّد للانسجام والتآلف والمحبّة الاجتماعيّة. وإنّ إرساء الصلح بين قلبينِ متناحرينِ، أو بين جماعتين أو قبيلتين أصابهما سوء الفهم والعداوة، لهو عملٌ يفوق في أجره العبادات المستحبّة.

واليوم كذلك، فإنّ مجتمعنا الإسلاميّ أحوج ما يكون إلى «إصلاح ذات البين»؛ لأنّ الشياطين والأعداء يسعون إلى التوغّل في صفوف الأمّة من خلال الشقاق والظّنون السيّئة الكامنة في النفوس. وإنّ إصلاح ذات البين يعني سدّ منافذ العدو عبر توحيد القلوب وتعزيز الثقة المتبادلة.

وإنّ المجتمع الذي تسري فيه روح العفو والمسامحة، يكون بمنأى عن كثيرٍ من النزاعات والخصومات، وتترسّخ فيه دعائم الأسرة والثقة الاجتماعيّة.

ومن منظور فقه أهل البيت (عليهم السلام)، فإنّ دعوة القاضي إلى الصلح قبل إصدار الحكم، تُعدّ مستحبًّا مؤكّدًا، وعلامةً على العدل والرحمة. كما قال الفقيه الجليل صاحب «جواهر الكلام»، الشيخ محمّد حسن النجفيّ (رحمه اللّه): «يُستحبّ ترغيبهما في الصلح الذي هو خيرٌ، ولا ينافي ذلك فورية القضاء عرفًا» (جواهر الكلام، ج٤٠، ص١٤٥).

وعليه، فإنّ السعي لإزالة الأحقاد وحلّ النزاعات عبر الطرق غير القضائية، مقدّمٌ على رفع الدعوى وفصل الخصومة في المحاكم.

ومن هذا المنطلق، فإنّ جهودكم المباركة في لجنة الصبر (الصلح، العفو، الرضا)، في مسار الوساطة والعفو والبحث عن الحلول الأخلاقيّة والاجتماعيّة، تُعدّ من أسمى مصاديق العمل الصالح. فالصلح والعفو عند المقدرة، ليسا علامة ضعفٍ، بل هما تجلٍّ للقوّة الروحيّة، والإيمان، والوصل بين الفقه والأخلاق والعدالة الاجتماعيّة.

إنّ مهمّتكم في لجنة الصبر لا تقتصر على تقليل عدد القضايا والدعاوى، بل تشمل إحياء روح الإيمان، وإعادة بناء الثقة الاجتماعيّة، وتعزيز دعائم الأسرة، وتقوية الأخوّة، والتآلف، والروابط الأخلاقيّة في المجتمع. وقد وعد اللّه تعالى بقوله: ﴿فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِ﴾ (الشورى، الآية ٤٠)، وقال أيضًا: ﴿وَٱلۡكَٰاظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾ (آل عمران، الآية ١٣٤).

وإنّي، إذ أُثني وأُقدّر الجهود الصادقة التي يبذلها المسؤولون والعاملون في لجنة الصبر (الصلح؛ العفو؛ الرضا)، أؤكّد على النقاط التالية:

١. يجب أن يتمّ الصلح والعفو على أساس الإيمان، والتقوى، والعدالة، والإحسان، وبُعد النّظر، والرضا القلبيُ؛ فالمصالحة التي تُفرض تحت الضغط أو الاضطرار، لن تدوم.

٢. إنّ مشاركة العلماء، والنخب الثقافيّة، وكبار السنّ، وزعماء القبائل والعشائر، والمحلّيين الموثوقين، في الوساطة وحلّ النزاعات، عملٌ يرضاه اللّه، وله أجرٌ معنويٌّ عظيمٌ.

٣. يجب على جميع المنظّمات والمؤسّسات الحكوميّة والشّعبيّة، والشخصيّات الحقيقيّة والاعتباريّة، أن تدعم لجنة الصبر في رسالتها الإلهيّة والاجتماعيّة.

٤. إنّ العفو والمسامحة، مظهرٌ من مظاهر القوّة الأخلاقيّة، وصفقةٌ أخرويّةٌ رابحةٌ؛ ولا يجوز أن يُنظر إليه كعلامة ضعفٍ. فلتتّخذوا قرار الصلح والعفو والمسامحة بكلّ حزمٍ، وبتوكّلٍ على اللّه، وتوسّلٍ بأهل البيت (عليهم السلام)، ولا تتأثّروا أبدًا بوساوس الشّياطين والذين يمنعون الصّلح والمصالحة. فبركات الصلح والعفو في حياتكم أكثر ممّا تلمسونها في الانتقام.

٥. يجب على العاملين في لجنة الصبر، بوصفها مؤسّسةً لترسيخ الصلح وتثبيت الأخلاق الاجتماعيّة المستدامة، أن يُعزّزوا، يومًا بعد يومٍ، دورهم في وصل القانون بالأخلاق، والقضاء بالرحمة.

وفي الختام، أسأل اللّه تعالى أن يشمل القائد الأعلى للثورة الإسلاميّة، والشعب الإيرانيّ الشّريف، والعاملين المخلصين في هذا المجال، بعنايات صاحب العصر والزمان (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف)، وأن يمنّ علينا جميعًا بتوفيقٍ متزايدٍ في تعزيز التآلف، والانسجام الاجتماعيّ، وإزالة الضغائن، وتثبيت دعائم الأسرة، ونشر روح العفو والمحبّة؛ ليغدو مجتمعنا الإسلاميّ، ببركة الإيمان والتآلف، مصداقًا لهذه الآية الكريمة: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (النساء، الآية ١١٤).

كما أودّ في هذه الفرصة أن أتقدّم بالشكر الجزيل إلى السلطة القضائيّة، التي خطت في هذه الدورة خطواتٍ كبيرةً بفضل حضور رئيسها والمسؤولين القضائيّين بين الناس، ومواجهتهم الحازمة للفساد، وفهمهم العميق لواقع المجتمع، ممّا بثّ الأمل في نفوس الناس تجاه المستقبل وإرساء العدالة. كما أشكر المدير المحترم والمثابر لمحافظة قم، الذي يسير في هذا الطريق المبارك.

والسلام عليكم ورحمة‌ اللّه وبركاته

حسين نوري الهمداني

يذكر أنّ الندوة الأولى لـ"لجنة الصّبر" عُقِدَت في محافظة قم يوم الخميس الموافق 30 أكتوبر 2025، بحضور نائب رئيس السلطة القضائية ورئيس مركز تطوير مجالس تسوية المنازعات في البلاد.

لمراجعة الرسالة باللغة الفارسيّة يرجى الضغط هنا.

المحرر: أمين فتحي

المصدر: وكالة أنباء الحوزة

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha